يشير العلاج السلوكي المعرفي (CBT) إلى عدة طرق مختلفة للعلاج تختلف بشكل كبير عن علاج “التخاطب” القياسي، ومنذ خمسينيات القرن العشرين شعر عدد من المعالجين بأن التحليل النفسي من خلال التحدث عن الأشياء هو عملية طويلة يمكن بالكاد أن تحقق أهدافها دون سنوات من عمل المريض أو المعالج، كما أن المعالجون الذين نظروا إلى علاج التخاطب – كما اقترحه فرويد ثم قام آخرون بتعديله – أشاروا إلى أن المرضى كانوا يواجهون في الأساس مشكلتين، الصعوبات التي واجهوها في الحياة، والطريقة التي تعاملوا بها مع تلك الصعوبات من منظور تفكيري.
طرق ملموسة لتغيير السلوك وأنماط التفكير
بالنسبة لبعض الناس، تصبح المشكلة الحياتية أسوأ بسبب الطريقة التي فكر بها الناس في المشكلة وتفاعلوا معها. وهكذا عمل المعالجون على تطوير طرق ملموسة لتغيير السلوك وأنماط التفكير حول المشاكل مثل العلاج السلوكي المعرفي ، وكان الهدف النهائي هو مساعدة الناس على التخلص من الجوانب السلبية لإدارة المشاكل من منظور التفكير / الانفعال / السلوك. وفي نهاية المطاف أصبحت هذه الأفكار المختلفة حول كيفية تعامل الناس مع المواقف الصعبة من منظور إدراكي تتجلى في العلاج السلوكي المعرفي اليوم. ومنذ الثمانينات، ساعدت كتابات أشخاص مثل الدكتور ديفيد بيرنز، وألدو بوتشي، ومايكل ماهوني، ومارشا لينهان، وآرثر فريمان – من بين آخرين – على تشكيل كيفية ممارسة العلاج السلوكي المعرفي في بيئة علاجية.
العمل العلاجي في العلاج السلوكي المعرفي
جدير بالذكر أيضاً أن العمل العلاجي في العلاج السلوكي المعرفي يختلف عن علاج التخاطب التقليدي لأنه يتطلب قدر كبير من الواجبات من جانب المريض، كما أنّه محدود الوقت حيث يأخذ حوالي 16 إلى 18 ساعة علاجية للمريض حتى يتقن هذه الممارسة.
وغالباً ما يقوم الأشخاص الذين يستخدمون هذه الطريقة العلاجية بتسجيل المواقف المختلفة ويتفاعلون مع ردود الفعل العاطفية ويحاولون تحديد المعتقدات الأساسية التي قد لا تكون صحيحة، وقد تدفع الشخص نحو ردود الفعل أو السلوك العاطفي السلبي عند مواجهة الأزمات.
العلاج السلوكي المعرفي
كذلك فإن العلاج السلوكي المعرفي هو علاج يرتكز على التعليمات بحيث يتعلم المريض أن يبدأ بالتفكير بشكل نقدي ودليلي حول الأفكار والسلوكيات الناشئة خلال المواقف الصعبة. ويمكن تعريف الحالات الصعبة بطرق متنوعة. وبمجرد أن يتعلم الشخص الطريقة الأساسية في العلاج السلوكي المعرفي فإنه يراجع العمل مع المعالج وعادةً ما يكون هذا مرة في الأسبوع. وفي هذه المراجعة يتم التركيز على العمل المُنجز والبحث عن المزيد من العمل الذي يمكن القيام به من أجل أن يكون الشخص قادراً على خلق نهج تفكيري عند التفاعل مع العواطف في الأزمات والمواقف الصعبة. الهدف النهائي هو استخدام التفكير لإزالة الأفكار وردود الأفعال السلبية واستبدالها بأخرى أكثر إيجابية.
كما أن الأشخاص المصابون بمرض نفسي حقيقي مثل الاكتئاب أو اضطرابات الهلع أو حالات القطبين إلى دعم إضافي من الأدوية بجانب العلاج السلوكي المعرفي.
إلى جانب ذلك، فإن الثقة بين المريض والمعالج أمر مهم للغاية وخاصةً عندما يبدأ المرضى في التفكير ببعض المعتقدات الأساسية التي تكون صعبة للغاية، ولأن هذه المعتقدات يمكن أن تثير صدمات أو ظروف سابقة يجب أن يكون قادراً على التفكير فيها وتحليلها.
فوائد العلاج السلوكي المعرفي
يستخدم العلاج السلوكي المعرفي غالباً في علاج اضطراب الوسواس القهري OCD، حيث تظهر الأبحاث أن سبعة من أصل عشرة أشخاص عولجوا من الوسواس القهري بفضل العلاج السلوكي المعرفي، وفي كثير من الحالات يرى المرضى انخفاض بنسبة تتراوح بين 60 إلى 80 في المائة من الأعراض.
جدير بالذكر أن الوسواس القهري هو مشكلة نفسية مبنية على القلق، ويمكن لأولئك الذين يعانون من الوسواس القهري أن يكون لديهم أفكار هوس أو قهرية مزمنة أو مزيج من الاثنين معاً. كما يشعر مريض الوسواس القهري بأن شيئاً سوف يحدث إذا لم تتكرر الأفكار أو لم يتم اتباعها، وتشمل أمثلة الوسواس القهري الحاجة إلى العد إلى رقم معين، أو تكرار عبارات معينة، أو التحقق من أقفال الباب لعدد معين من المرات.
أساليب العلاج السلوكي الأكثر نجاحاً
والأسلوب الأكثر نجاحاً في العلاج السلوكي المعرفي بالنسبة لاضطراب الوسواس القهري هو الوقاية من التعرض، حيث أن نمط هذا العلاج يجعل المريض يواجه خوفه أو هوسه أو وضعه الذي يسبب القلق، وعندما يبدأ القلق يتم تشجيع المريض على عدم تنفيذ السلوك القهري الذي يعتقد أنه ضروري لمنع الأشياء السيئة من الحدوث. وفي هذه الحالة عندما لا يحدث شيء سيء، يقترب المريض من فهم عدم قدرته الفعلية على التحكم في النتائج وأنّه ليست هناك حاجة إلى الوسواس القهري. والفائدة الأساسية من العلاج السلوكي المعرفي في اضطراب الوسواس القهري هي القضاء على احتياجات الإكراه، خصوصاً وأن الإكراهات يمكن أن تصبح شديدة بما فيه الكفاية بحيث تتداخل مع الحياة اليومية، مثل غسيل اليدين مئات المرات على مدار اليوم. كذلك هناك فائدة جانبية من العلاج السلوكي المعرفي وهي الحد من القلق في اضطراب الوسواس القهري.
كما تشمل فوائد العلاج السلوكي المعرفي في مواجهة الأرق انخفاض الاكتئاب والقلق بالإضافة إلى العادات الجيدة المرتبطة بالنوم والتي تقلل أو تقضي على هذه الحالة. وغالباً ما تعمل أساليب العلاج السلوكي المعرفي على تحسين بعض حالات الصحة العقلية مما يخلق راحة البال التي تكون ضرورية للنوم بشكل سليم.
كذلك فإن العلاج السلوكي المعرفي هو أحد أكثر الطرق فعالية في علاج اضطراب الرهاب الاجتماعي أو القلق الاجتماعي، ومن فوائده الملحوظة وجود انخفاض في أعراض القلق الاجتماعي نتيجة للعلاج، وعادةً ما تكون له نتائج تدوم أطول من العلاجات الدوائية.
طبيعة العلاج السلوكي المعرفية
كوسيلة للعلاج قائمة على البحوث، يُعتبر برنامج العلاج المعرفي السلوكي علاج فعال للإدمان أو تعاطي المخدرات، واضطرابات الأكل، وبعض أمراض الصحة العقلية، وعادةً ما يكون العلاج المعرفي السلوكي موجه نحو الحاضر، ويركز على المشكلة، وموجه
نحو الهدف مما يوفر الفوائد التالية:
- يستكشف برنامج العلاج المعرفي السلوكي أنماط سلوك المريض التي تؤدي إلى تصرفات ومعتقدات تدمير للذات توجه هذه الأفكار
- يسمح برنامج العلاج المعرفي السلوكي للمرضى والمعالجين بالعمل معاً في علاقة علاجية لتحديد أنماط التفكير الضارة والبحث بنشاط عن أنماط تفكير بديلة
- يتم تعزيز جلسات برنامج العلاج المعرفي السلوكي عبر الواجبات المنزلية بعيداً عن الجلسات.
- يمكن توفير برنامج العلاج المعرفي السلوكي بشكل فردي أو في مجموعات
- مهارات برنامج العلاج المعرفي السلوكي هي استراتيجيات مفيدة وعملية يمكن دمجها في الحياة اليومية للمريض
- يساعد برنامج العلاج المعرفي السلوكي المرضى على صياغة استراتيجيات التعامل مع الضغوطات أو الصعوبات المحتملة بعد علاج الإدمان
فيما يستخدم العلاج السلوكي المعرفي
لدى البالغين، أثبت العلاج السلوكي المعرفي فعاليته في خطط علاج اضطرابات القلق، واضطرابات تشوه الجسم، والاكتئاب، واضطرابات الأكل، والاضطرابات الشخصية، والذهان، والفصام، واضطرابات استخدام المواد المخدرة، والاكتئاب، ومع إصابات الحبل الشوكي.
أما في حالة الأطفال والمراهقين فإن العلاج السلوكي المعرفي جزء فعال في خطط علاج اضطرابات القلق، واضطراب تشوه الجسم، والاكتئاب أو الانتحار، واضطرابات الأكل والسمنة، واضطراب الوسواس القهري، واضطراب ما بعد الصدمة، والاضطرابات السلوكية المتكررة الأخرى. وجدير بالذكر أن هذه هي بعضاً من أشهر الاستخدامات الخاصة بالعلاج السلوكي المعرفي.
كيفية عمل برنامج العلاج السلوكي المعرفي
العلاج السلوكي المعرفي هو نهج يُستخدم لاستعادة التوازن في العواطف والتصورات وأنماط السلوك، والهدف هو المساعدة في إعادة تنظيم الوظيفة الكلية للمريض ونظرته للعالم من أجل إحداث تغيير إيجابي في النهج والمواقف، وهناك عدة طرق يتم فيها استخدام العلاج السلوكي المعرفي لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من مشاكل تتراوح من أنواع مختلفة من الأمراض العقلية إلى عدم القدرة على الحصول على ليلة نوم جيدة.
بالنسبة للعديد من الناس، كان استخدام العلاج المعرفي هو المفتاح للتعامل الفعال والتغلب على أنواع مختلفة من اضطرابات القلق، وفي حالات مثل اضطراب القلق العام، واضطراب القلق الموسمي، واضطراب الهلع، يصعب على الأفراد الانخراط في الأنشطة العادية دون الاضطرار للتعامل مع قدر كبير من الانزعاج.ومن المعتاد أن يعاني الشخص المصاب بهذه الأنواع من الاضطرابات من القلق أو نوبات الهلع، والبدء في تجنب المواقع التي تحدث فيها النوبات، ونتيجة لذلك قد يصبح الفرد خاضعا للرُهاب ويُصبح مقيماً دائماً في المنزل.
يمكن أن يساعد العلاج السلوكي المعرفي الفرد الذي يعاني من اضطرابات القلق لتجنب الوقوع في فخ الخوف من الذهاب إلى الأماكن العامة والقيام بالأشياء التي يستمتع بها عادةً. ويتم تحقيق ذلك عن طريق تعريض المريض تدريجياً للمحفز الذي يؤدي إلى النوبات، مما يسمح للمريض أن يدرك أن التجربة لم تكن بنفس الصعوبة المتوقعة. مع مرور الوقت، يتعرض المريض لفترات أطول من التحفيز، ويغير تدريجياً التصور والسلوك المستفاد إلى درجة أن الفرد يصبح قادر على العمل دون خوف من التعرض لنوبة ذعر.
وبطريقة مماثلة، يمكن أن يكون العلاج السلوكي المعرفي فعالاً في بعض أشكال الاكتئاب. وكما هو الحال مع القلق، فإن الاستراتيجية هي تغيير النمط الحالي من اللامبالاة والتعاسة من خلال المساعدة المتزايدة للمريض وإعادة إشراكه في العالم المحيط به، وبما أن الفرد قادر على الشعور بعودة المتعة في الأشياء التي اعتاد على التمتع بها، يصبح من الأسهل مواجهة الأسباب الكامنة وراء الاكتئاب، والتعامل معها، واستعادة التوازن العاطفي.
تأثير العلاج السلوكي المعرفي
على مدى العقود القليلة الماضية – حيث توجه علم النفس نحو الممارسة القائمة على الأدلة – كان هناك اهتمام أكبر في وسائل الإعلام بخصوص زيادة الاعتماد على العلاج السلوكي المعرفي مقارنةً بطرق العلاج الأخرى. وفي الدراسات التي تبحث تأثير العلاج السلوكي المعرفي وجدت أن النتائج المصاحبة له تدوم فترات أطول مقارنةً بأنواع العلاج الأخرى على الرغم من أن فترة العلاج نفسها لا تدوم طويلاً، ولهذا السبب شن العديد من المعالجين التقليديين هجوم على العلاج السلوكي المعرفي وزعموا أنها طريقة لا تصلح للعلاج لأنها تبالغ في تبسيط المشاكل وتهدف إلى حل سريع.
أهداف العلاج السلوكي المعرفي
إن الهدف النهائي لمعالج العلاج السلوكي المعرفي هو مساعدة المريض في التغلب على الخوف والشعور باليأس الذي هو جزء من التصورات القديمة، واستبدال تلك المشاعر السلبية والاستجابات بشعور من القوة والتمكين، وتشمل أيضاً:
- تعزيز الوعي الذاتي والذكاء العاطفي عن طريق تعليم العملاء “قراءة” عواطفهم والتمييز الصحي من المشاعر غير الصحية
- مساعدة العملاء على فهم كيف تساهم التصورات والأفكار المشوهة في الشعور بمشاعر مؤلمة
- التخفيض السريع للأعراض مع التركيز على فحص الوضع الحالي للعميل وحل المشكلات الحالية
- تطوير ضبط النفس عن طريق تعليم العملاء تقنيات محددة لتحديد وتحدي التفكير المشوه
- منع نوبات المستقبل من الضيق العاطفي وتنمية النمو الشخصي من خلال مساعدة العملاء على تغيير المعتقدات الأساسية التي غالباً ما تكون في صميم معاناتهم.
شاهد ايضا :