كيف تطورت أساليب علاج الإدمان؟ حتى ثلاثينيات القرن الماضي كان العلم يصِف الإدمان بأنه فشل أخلاقي وضعف في الإرادة ولكن الدراسات الحديثة أثبتت أن الإدمان مشكلة صحية تستدعي التركيز على الإجراءات الوقائية والعلاجية ثم العقاب وليس العكس.
وهنا بدأت دراسة السلوك الإدماني وتطوير الأساليب الصحية والنفسية لعلاج الإدمان، وفي هذا المقال نعرض لكم أحدث الأساليب التي توصل إليها الأطباء والعوامل التي تؤثر على المريض أثناء رحلة العلاج.
أحدث أساليب علاج الإدمان الدوائية
أكدت الأبحاث أن العلاج الدوائي هو خط الدفاع الأول لمواجهة الإدمان، وأنه لا يجب الاكتفاء بالانسحاب التدريجي للمخدر، بل يتم استخدام بعض الأدوية لسحب السموم من الجسم والسيطرة على أعراض ومضاعفات الانسحاب.
بجانب التخلص من سموم المخدر تساعد الأدوية على استعادة تكيّف الدماغ مع غياب المخدر، وتهدئة أجهزة الجسم لتقليل الرغبة في تعاطي المخدر.
إزالة السموم من الجسم لا تكفي لتعافي المريض تمامًا لذا يتم دمج العلاج الدوائي مع بعض الأساليب العلاجية الأخرى التي سنذكرها، ويتحدد البروتوكول تبعًا لحالة المريض.
الأدوية المضادة للإدمان
تستخدم هذه الأدوية لتخفيف أعراض سحب سموم المواد الأفيونية من الجسم، ولكنها لا تقلل من الرغبة في تناول المخدر، لذا فهي مرحلة علاجية قصيرة مخصصة لمدمني الأفيونات لإيقاف التفاعل الكيميائي للمخدر في الجسم.
أسلوب التحليل النفسي
- لن يتمكن الطبيب من استخدام أسلوب التحليل النفسي إلا بعد أن يتم سحب المخدر من الجسم
- حتى يكون المريض قادرًا على التعاون مع الطبيب المعالج، ولكن لماذا يعتبر التحليل النفسي من أفضل أساليب علاج الإدمان؟
- بُني هذا الأسلوب العلاجي على اعتبار أن السلوك الإدماني ما هو إلا محاولات فاشلة للتغلب على الضغط النفسي الناتج عن سوء المعاملة أو التعرض للفشل
- لذا اعتمد على تحليل شخصية المريض وفهم الصراعات الداخلية التي دفعته للسقوط في فخ الإدمان
- ومن ثم العمل عليها ومساعدة المريض على فهم ذاته والتعامل بأسلوب علمي في المواقف المختلفة.
مجموعات الدعم النفسي
هذه الفكرة قائمة على إنشاء مجموعات للمتعافين أو الراغبين في الإقلاع عن الإدمان. يتشارك الأعضاء قصص حياتهم ومدى تأثير المخدر.
يتحدثون أيضًا عن رحلتهم في التعافي والمشاكل الصحية والنفسية التي واجهتهم وطرق التغلب عليها لمساعدة غيرهم على اتخاذ قرار الانسحاب.
ومن أمثلة هذه المجموعات رابطة مدمني الكحول والتي تضم حاليًا أكثر من مليوني عضو من مختلف أنحاء العالم يساعد كل منهم الآخر للتوقف عن إدمان الكحول أو طرد فكرة الانتكاس بعد التعافي.
الاستشارات والمقابلات التحفيزية
- من أكثر أساليب علاج الإدمان والانتكاس نجاحًا لأنه يعتمد على معرفة الحالة المزاجية والمواقف التي تثير الرغبة في تعاطي المخدر مرة أخرى.
- ثم يبدأ المعالج في تدريب الشخص على كيفية تجنب هذه المحفزات واستبدال الأفكار والمشاعر السلبية بمهارات حياتية وعادات صحية مفيدة.
تنمية التعاطف تجاه العلاقات الشخصية
- حين يكون حب الذات والهوس النفسي وتجاهل مشاعر الآخرين من سمات المريض فإن أفضل أساليب علاج الإدمان هو تعزيز تعاطف هذا الشخص تجاه العلاقات الشخصية الهامة بالنسبة له.
- على سبيل المثال، توضيح مدى تأثير الإدمان على أسرته أو أصدقائه ومعاناتهم خلال فترة علاجه، ويتم ذلك بمشاركة الأسرة أيضًا.
- تعاطف الفرد واندماجه مع الآخرين يطرح أمامه العديد من المشاكل والمواقف وبالتالي لن تُتاح له الفرصة للانفراد بمشاكله فقط وتقليل حيز الصراع النفسي الداخلي، وكذلك تكوين علاقات جديدة.
التعزيز الاجتماعي وتدريب الأسرة
- يتم اتباع هذا الأسلوب السلوكي عندما يكون الاضطراب الأسري هو سبب الإدمان
- هذا النمط شائع لدى المراهقين بسبب سوء تعامل أو قسوة الوالدين تجاه أبنائهم
- هناك مصطلح علمي يُعرف ب “الحب القاسي” وهو تعنيف الأبناء نتيجة تقصيرهم الدراسي دون معرفة سبب المشكلة، أو الاستهزاء المستمر بشخصيتهم وآرائهم وإجبارهم على تنفيذ الأوامر فقط
- مِثل هذه السلوكيات تدفع بعض الأبناء إلى الإدمان للهروب من الواقع، وهنا يهتم المعالج بحل أسباب المشكلة وتهيئة المحيط الأسري لمساعدة المريض على التعافي التام.
التأهيل السلوكي من أهم أساليب علاج الإدمان النفسية
الخطوة الأولى
- هي وضع حافز قوي للتخلص من الإدمان، ومن ثم يبدأ الطبيب بتعديل المواقف والسلوكيات المتعلقة بتعاطي المخدرات
- وزيادة مهارات وقدرات الفرد تجاه التعامل مع الظروف البيئية التي تثير في نفسه الرغبة في تعاطي المخدر مرة أخرى.
الخطوة الثانية
- هي التفكير العملي في الموقف وتوقع المشاكل المحتملة، وتعزيز ضبط النفس لمواجهة المشكلة وليس التهرب منها.
الوخز بالإبر الصينية
أثبتت الأبحاث أن الوخز بالإبر الصينية يرفع مستوى الأندورفين في الجهاز العصبي مما يقلل من حدة أعراض الانسحاب والرغبة في تعاطي المخدر.
تستغرق الجلسة حوالي (30-45) دقيقة في أضواء خافتة لخلق بيئة من السلام النفسي والهدوء لتساعد المريض على استعادة توازن الطاقة من جديد والشعور بالراحة والرفاهية.
خطط إدارة الحالة
من أكثر أساليب علاج الإدمان استخدامًا في الوقت الحالي، وتعتمد خطط إدارة الحالة على:
- تحديد وتسجيل الأهداف التي يسعى الشخص للوصول إليها، ومتابعة التقدم الذي يحققه في سبيل تطوير حياته والتخلص من تبعات الإدمان.
- يعمل الطبيب المعالج كمدافع عنك فهو صديقك طوال مراحل العلاج والاستشفاء
- هؤلاء هم المحترفون الذين ستحب الذهاب إليهم عندما تحتاج إلى معرفة المزيد عن طرق محاربة الإدمان أو الانتكاس،
لأنه يعرف تفاصيل الحالة كاملة.
أساليب علاج الإدمان الجماعية
- يقوم الطبيب المعالج بتنظيم جلسات جماعية للمشاركة وتبادل الآراء والأفكار
- ومن مزايا هذه الطريقة أنها توضح للفرد أن الآخرين يشتركون في نفس المشاكل والصراعات التي يعاني منها.
- تتيح هذه الجلسات الفرصة لتلقي الدعم من الآخرين، وتنمية الوعي الذاتي من خلال الاستماع للتجارب المختلفة،
وكذلك فرصة التواصل الفعال وتكوين علاقات جديدة.
العلاج الإلزامي
في بعض الدول توفر الحكومة برامج علاجية إلزامية، وهي عملية قانونية تأمر فيها المحكمة الشخص بالذهاب إلى مستشفى عسكري للتشخيص.
يحصل المريض على وثيقة قانونية بالخطوات والتكاليف اللازمة للعلاج، وبناء على هذا التقرير يُصدر القاضي قرارًا بإلزام الشخص ببدء العلاج.
جلسات التأمل (meditation)
- الهدف الرئيسي لاستخدام جلسات التأمل كأحد أساليب علاج إدمان المخدرات هو تحسين الصحة العقلية وتخفيف حدة القلق والتوتر.
- جلسات التأمل لها القدرة على تغيير الموجات الدماغية لأنها تعزز أداء القشرة الأمامية في المخ المسؤولة عن التفكير والتخطيط، وتقلل الكورتيزول وتحفز عمل الدماغ لاستعادة الطاقة والتركيز.
تقييم السلوكيات الوراثية
- تختلف طريقة تفاعل الأدوية داخل الجسم تبعًا للجينات الوراثية
- لذا فإن فهم الطريقة التي يستجيب بها المريض عن طريق الاختبارات الجينية يساعد الطبيب في توقع ردود الأفعال تجاه الأدوية المستخدمة في العلاج
- ووضع خطة علاجية مناسبة وتقليل احتمالية الآثار الجانبية لأقل درجة ممكنة.
استراتيجيات علم الأعصاب الإدراكي
أدت التطورات السريعة في العلوم الطبية إلى وضع بعض الاستراتيجيات القائمة على دراسة العمليات النفسية المصاحبة للإدمان؛ لتحسين فعالية العلاج.
وبالرغم من أن تطبيق علم الأعصاب الإدراكي في مجال الإدمان جديد نوعًا ما إلا أن هناك العديد من الدراسات التي تتناول السلوك الإدماني من مختلف الجهات وتضع استراتيجيات ناجحة لتقليص مدة العلاج وتقليل احتمالية الانتكاس.
برنامج WELL
- من أحدث أساليب علاج الإدمان النفسية ويعتمد على تغييرات معينة في نمط الحياة.
- يستغرق هذا البرنامج التأهيلي حوالي ثلاثة أسابيع يشارك فيه المرضي في الفصول التفاعلية والمحاضرات التربوية
- تهدف إلى تقويم وتأهيل الفرد لمواجهة المواقف والصعوبات المختلفة.
- بجانب التقويم السلوكي والنفسي يتم دمج المريض في نظام غذائي صحي، وممارسة التمارين الرياضية المناسبة
- الهدف الأساسي للبرنامج هو نمط الحياة الصحي والصحيح.
ما هي أحدث الأساليب الصحية والنفسية في علاج الإدمان؟
بجانب تطور أساليب العلاج تم اتخاذ بعض الإجراءات التي تساعد المريض على بدء خطوات التعافي ومن بين هذه المبادرات:
- مشاركة العميل في اختيار بروتوكول العلاج
بُني هذا الأسلوب على إجراء عدة استبيانات للمريض لتحديد السمات الشخصية، الحالة النفسية، الدافع ومستوى الرغبة في التعافي،
الميول نحو الانتكاس، وبناء على هذه المعلومات يتم عرض عدة خطط علاجية على المريض ليختار من بينها الأنسب له.
- الإعلان عن أساليب علاج الإدمان المتطورة
الإعلان المستمر عن أضرار الإدمان وأعراضه أو تطور أساليب العلاج والتخلص من تبعية المخدر دون أعراض انسحابية قاتلة يشجع الأشخاص أو ذويهم على اتخاذ خطوة نحو العلاج.
- تقليل نسبة الخطر “harm reduction”
مبادرة “تقليل نسبة الخطر” من البرامج القومية التي تهدف لمكافحة الإدمان؛
يتبنى هذا البرنامج بعض النظريات التي تهدف لتهيئة المجتمع لمساعدة المدمنين على التعافي من هذا المرض اللعين، والأخذ بأيديهم نحو الحياة الصحية الخالية من القيود.
قد يهمك أيضاً: